تقرير: آدم محمد أحمد
لم يتوقّع الشاعر التجاني حاج موسى من جمهور الحاضرين الذين تجمعوا في باحة المسرح بمدينة بيرمنجهام للاستمتاع الى ما يلقيه على مسامعهم من شعر أن تنقلب مشاعرهم الى اتجاه مغاير من الأعجاب الى الكراهية، ولم يتوقع ايضاً ان الذين تقدموا نحوه في خشبة المسرح لم يقصدوا التصفيق لإبداء اعجابهم بشِعره وانما للاعتداء عليه بالضرب المبرح، كان هذا ملخص ما ورد في صحف الأمس التي حملت خبراً مفاده أن الشاعر التجاني حاج موسى نجا من محاولة لتصفيته بالعاصمة البريطانيا لندن عندما تعرض للضرب المبرح من نحو (50) من ابناء اقليم دارفور الذين عارضوا تقديمه لقصيدة جديدة كتبها في اعقاب الأحداث التي شهدتها ام درمان في العاشر من شهر مايو الماضي، وقد سارعت السفارة السودانية بلندن الى اخطار الخارجية البريطانيا بالاعتداء الذي طال أيضاً الملحق الثقافي بالسفارة وقامت السلطات البريطانيا بالقاء القبض على اثنين من المشتبه في ضلوعهم في الحادث وشرعت في إجراء تحقيقات معهم.
وتعتبر هذه أول حادثة من نوعها يتم فيها الاعتداء على شاعر سوداني يلقي شعراً على خشبة المسرح من قبل الحركات التي تمردت على الحكومة في تاريخ السودان وقد سبقتها حادثة الأعتداء على د. حسن الترابي في مدينة اتاوا بكندا، والأمر ربما يعطي مؤشرات أن أثر الهجوم على أم درمان من قبل حركة العدل والمساواة الذي وقع في الشهر الماضي لم يعد يقتصر على ما أفرزه من دمار طال ممتلكات وأرواح الناس في الداخل وإنما امتد خارجياً الى ما وراء البحار وبدأ يأخذ اشكالاً ومسارح تعد غريبة في مسار التعبير عن الرأي حول القضية.
وكانت تفاصيل الحادث كما أوردها الشاعر التجاني حاج موسى الذي وصل الى الخرطوم امس ان الحادث وقع في مدينة بيرمنجهام أثناء ليلة ثقافية شارك فيها العديد من الرموز الفنية، مشيراً الى أنه منع من قراءة القصيدة وقوبل باعتراضات واسعة عندما اجاب على سؤال بشأن آخر ما كتبه، مؤكداً أنه فوجئ بصيحات الحاضرين وتقدمهم ناحيته ليوسعوه ضرباً ولكماً بينما كان بعضهم يعمل على تمزيق أوراق القصيدة، ونفى أن تكون المقاطع الورادة فيها تحوي اساءات او تجريحاً لفئة، مشيراً الى أنه عندما تم الاعتداء عليه لم يشرع في قراءة القصيدة مكان الجدل ولم يستبعد التجاني التخطيط للحادثة باعتبار ان المجموعات التي قامت بالخطوة تداعت من مدن عديدة لحضور الليلة.
ويرى العديد من المحللين أن الحركات المسلحة دائماً ما تعتبر أن ساحة البلدان في الخارج مكان عمل لها لذلك فإن أي نشاط في إطار القضية من الحكومة يقابل بالرفض خاصة في مثل قضية دارفور التي لاقت حظها من التدويل مقروناً بأحداث أم درمان الأخيرة التي فقدت فيها حركة العدل والمساواة العديد من عناصرها مما يدفعها الى اخذ اشكال مختلفة للانتقام من الحكومة، وقال المحلل السياسي عبدالله آدم خاطر لـ(السوداني) إن الشاعر التجاني حاج موسى هو ضحية لما حدث في هذا النزاع خاصة أنه معروف بحبه لوطن وام درمان على وجه خاص وبكل تأكيد أن الذي دار في سياق غير النزاع، وأضاف ان الذي حدث عمل غير مستبعد لأن مدار النزاع لم يحسم بعد على مائدة التفاوض وبالتالي يمكن أن يحدث مثل هذا في اي مكان وبأشكال مختلفة، وتابع "نحن لا نملك إلا ان ندعو أطراف النزاع الى القبول بمبدأ التفاوض حتى لا تحصل مضاعفات لهذا الحادث.
كما يعزي القيادي بالمؤتمر الشعبي والمحامي كمال عمر في حديث لـ(السوداني) هذا التصرف الى الأسباب المتعلقة بتطورات الأوضاع السياسية في البلد وانعكاساً لأحداث السبت وافرازاتها التي تمثلت في الاعتقالات التي قامت بها الحكومة عقب الحادث وسط ابناء دارفور، وقال إن الحادث يؤكد أن حرية التعبير ما عادت محترمة لا من قبل الحكومة ولا الحركات المسلحة التي لم يعجبها الطرح الذي قدمة التجاني حاج موسى خاصة وأنه محسوب على المؤتمر الوطني، وتابع "أن هذه الحادثة قد تكون لها انعكاسات ومؤشرات قد تذهب بعيداً في ظل فشل الحكومة في إيجاد حل للأزمة الماثلة في الأقليم".
وقال عضو الحزب الشوعي وأحد أبناء دارفور صالح محمود لـ(السوداني) إعتقد أن التجاني حاج موسى ينتمي إلى أصحاب الفكر والقلم كان من الممكن الرد عليه بالكتابة، مشيراً إلى أن أي شكل من أشكال الاعتداء الجسدي لا تخدم قضية دارفور، لافتاً الى أن التعميم المخل على أن كل أهل الشمال هم ضد قضية دارفور هو أمر غير صحيح بدليل أن العديد من أهل الشمال جاهروا بآرائهم منددين ضد الظلم الواقع على المنطقة، داعياً في الوقت نفسه كل من لهم شكوك من المفكرين وأصحاب الرأي حول عدالة القضية إلى مراجعة ضمائرهم.